النفس .. الأمر المحير … التي حاول العلماء أن يضعوا لها مقاييساً و معايير ، و حاولوا أن يدخلوها في المعامل و يخضعوها للتجارب السريرية .
النفس .. برغم أننا نسير بها و نروح و نجئ ، و نشعر بأنها في كياننا و هي جزء منا إلا أنه في كثير من الأحيان تجد نفسك غريباً عن نفسك ، تجد نفسك تسير وراء الأشياء و الماديات و الشهوات و المتع التي تحبها فتكثر منها و تغب و تطلب المزيد المزيد و في لحظة تقول … لماذا تتحكم في الشهوات بهذه الطريقة ؟ هذا إذا كنت قد لاحظت في نفسك هذا الأمر بالفعل .
العديد منا يشتكي بأن الغضب يتملكه ، فترى شخصاً ودوداً محترماً لطيفاً و لكن عندما يثار بأمر يغضبه أو مؤثر يستفزه تجده يتحول إلى (آسف) إلى ثور هائج و ترتسم على وجهة علامات الغضب المنفرة فتجد هذا الوجه الودود الطيب المتسامح الأبيض ، تتحول قسمات وجهه إلى شخص دراكولي التعبير فتجد نظرات العين و اتجاه الحواجب و تضرس الأسنان
على أشدها و يا سلام على (السرينة) المتمثلة في الصوت العالي الجهوري و حوائط الصد التي تبنيها أنت وبالطبع غريمك هذا الذي تحدثه ثم يتطور الأمر فينحدر أسلوب الحوار بينكما ليصل إلى حد الشتيمة ثم يتطور الأمر إلى تشابك بالايدي إلى آخره .
و عندما تلام ، تقول الكلمة السحرية (أنا عصبي ، رجل عصبي ) معتقداً أن هذه الكلمة هي التصريح المقنع الذي سيجعل الناس يقتنعون و يهزون رؤوسهم بالموافقة و يقولون (آآه ، هو أنت عصبي؟ ، طيب ، نحن نأسف ، هيا يا جماعة (تصفيق) خلاص لماذا هذا التجمع الراجل يقول أنه عصبي ، ألا تفهمون ؟ كل واحد يذهب لمصلحته ، هيا ).
سنتحدث عن مصطلح يطلق على حياة بعض الناس .. من هم ؟ حياة هؤلاء ……
جاء لي عميل في مكتبي ليشتري بعض الأجهزة الكهربائية و الإلكترونية لنفسه ، و في الحوار الدائر بيني و بينه لاحظت عليه انه شغوف بما هو إلكتروني و كل ما يعمل بالريموت ، كل جهاز يراه يسأل أولاً ، هل يعمل بالريموت ؟
إن هذا العميل كان مقصد شراؤه في بادئ الأمر شراء جهاز واحد و لكن كل ما يعرض عليه جهاز آخر مع القليل من حرفية البيع و الإقناع يقتنع به بسرعة غريبة و يصر على الشراء
لدرجة انه بالفعل اشترى حتى نفذت نقوده و اتصل بصديق له و طلب منه أن يستدين منه مبلغاً من المال لأن نقوده نفذت و ظل يتفاوض معه أكثر من ساعة على هاتفه المحمول (لاحظ ارتفاع سعر المكالمة التي سيراه في الفاتورة بعد حين قريب ) على أسلوب السداد و أخيرا وافق صديقه و أتى أليه من بيته البعيد عن مقر الشركة بالمال و أشترى ثم رحل و لكن قبل أن يرحل قلت له ، بإمكاني أن احجز لك هذا الجهاز لتستلمه بعد شهر فلا داعي أن تتسلمه الآن بدلاً من أن تستلف مبلغه ، فقال لي ، شهر ؟ لا أتستطيع الانتظار أنا لن أنام اليوم سأسهر معه للصبح ، لن أقدر على تركه و أرحل .
ما رأيكم ؟ هذا الشخص أشترى اكثر مما يحتاج تعرض لعبث الناس في رغباته ( عملية الإقناع و البيع من البائع بالطبع يهمه رقم مبيعات مرتفع )أصبح مديناً بمبلغ مالي كبير في عشرة دقائقأحرج نفسه بالسؤال مع صديق له لكي يقرضه (و من الواضح أن صديقه يعرف طبيعته فظل يفاوضه ساعة لكي يعرف كيف سيحصل على ماله )
هذا الشخص لا يستطيع السيطرة على ذاته فبعد أن تضيع سكرة الفرحة بما أشترى ، ستأتي له فكرة كيف سيسدد ما أقترضه فيحزن و هذا التصرف ليس الأخير هذا الرجل بائس نحن نحب الطعام
و لكن الكثير منا يكون الأمر لديه زائد كثيراً فيفعل ما يريد لكي يحصل على وجبة ثمنها يمثل 70% من إجمالي المبلغ في محفظته .
هناك شخص لا يقاوم إغراء سماع أسم مطعم معروف للوجبات السريعة فيقرر الشراء فوراً
و يكرر هذا يومياً فأصبح الأمر كاهل على ظهره مادياً و صحياً ثم يشتكي و يقول
أنا لا اعرف كيف أتخلص من هذا الأمر ، يقال له الكثير و لكن ينتهي الأمر باستمراره
هو شخص بائس
أتذكرون ما قلناه في الحلقة الماضية عن شرب السجائر؟ ، تحدثنا عن ما يسمى بالروابط أتذكرونها ، الشخص الذي يشرب السجائر ، و تسوء صحته و تعتل يستمر في أمره بسبب هذه الروابط ، ثم في النهاية يقول
أنا لا اعرف كيف أتخلص من هذا الأمر ، يحذره الأطباء كثيراً و ينذروه بضرورة التوقف و لكن هيهات
هذا الشخص أيضاً .. شخص بائس
و هذا الفتى … العاشق … الذي تتلاعب الفتاه به يمينا و يساراً ويصل الأمر به إلى الفشل في حياته الدراسية أو العملية و يعاند أبويه لكي يتزوجها ، أو الفتاة التي يتلاعب الشاب بعواطفها ولا ينظر إليها إلا نظرة واحدة فقط و يقنعها بما يريده منها تحت مفهوم واحد و عندما ترفض و يتركها تحزن و تبكي و تضعف صحتها و تتذلل له لكي يعود إليها و ربما و العياذ بالله تنتحر من أجله .
هذا الشاب بائس .. و هذه الفتاة بائسة ..
و أنت يا من تغضب و تخسر صديقك و زميلك في العمل أو تذهب لقسم الشرطة لأنك قمت بضرب شخص لأنه أثار حفيظتك بشرارة استفزازك و تسب و تلعن و تضرب لأنك لا تستطيع أن تسيطر على نفسك . ولا تعرف انه بغضبك هذا
يمكنك أن تفقد صداقة سنين بمكالمة هاتف
و يمكن أن يبنى جدار بينك و بين زوجتك في موقف
و يمكن لطفلك أن يصير معقداً في حياته بسببك
فأنت هنا ،، للأسف .. بائس
أخي العزيز
البؤس يتمثل فيما تجنيه من مآسي و أحزان و هموم و مشاكل بنفسك لأنها من صنع يدك
انظر للأمثلة السابقة ، تجدها جميعاً تدور حول هذه النقطة
فهذا الشخص الذي ترك لنفسه عنان الشراء بلا عقل و تحكم و الذي سيكوى من حر سداد المبلغ الذي اقترضه ثم يحزن و يشتكي من الدنيا هو شخص بائس لأن شكواه و حزنه نتجت بسببه و من فعل يديه و عدم تحكمه في ذاته .
و الشخص الذي يجرى وراء معدته و صراخ عصافير بطنه و الذي لا يستطيع أن يتحمل صراخ عصفورة واحدة ثم يحزن من ارتفاع الضغط و السكر و هموم ألم القلب هو شخص بائس ، لأن شكواه و حزنه نتجت بسببه و من فعل يديه و عدم تحكمه في ذاته .
(هل وصل إليك المعنى اربط بين الفعل و مفهوم البؤس )
و الحقيقة هناك ارتباط ما بين البؤس و الندم فالفرق بين الاثنين قائم على أساس الفترة الزمنية للشعور بالحدث فعندما تشعر باستمرار الألم و الحزن لحدوث الأمر و ارتباطه بحياتك بالشكل الوثيق (كما تعتقد ) يكون الأمر بؤساً أما عندما تشعر هذا الشعور لفترة زمنية محددة أو عند مرور الحدث أمامك فتشعر به ثم يولى يكون الشعور ندماً، المهم ، إن هذا و ذاك مرتبط بما صنعته يداك و بجزء كبير منه مرتبط بعدم قدرتك أو لضعف قدرتك على التحكم في ذاتك و هذا ما سنحاول معالجته الآن و إكسابه لشخصيتك ليصبح سمة فيها .
أختي العزيزة
أنا من أنصار ترتيب الأفكار ووضعها على هيئة عناصر
سنقسم ما يحتاج للضبط و التحكم في أنفسنا إلى قسمين :
1-الضبط و التحكم في الشهوات
2-الضبط و التحكم للحالة النفسية و سنركز على (الغضب) على وجه التحديد
و في هذا الجزء سنتحدث كفكرة عامة على هاذين العنصرين و على الخطوات التمهيدية التي من خلالها سنضع أيدينا على طرق اكتساب سمة التحكم في الذات و بعد آخر فاصل في هذا الدرس سنتعلم في خطوات ( كما تعودنا ) طرق ضبط النفس و التحكم في السلوك .
إذا كان علم النفس الحديث اعتبر التحكم في الذات و ضبط السلوك الإنساني إحدى سمات الشخصية السوية فإن الإسلام قد سبق هذا العلم بأربعة عشر قرناً حيث وضع الدين الحنيف قواعد و أصول للتحكم في الذات و هذا بلا شك إعجاز إسلامي في نمط الشخصية السوية
و إذا كنا قد قسمنا ما نحتاج للتحكم فيه وضبطه في أنفسنا إلى قسمين و هما الضبط و التحكم في الشهوات و الانفعالات النفسية (الغضب) فإن هذا التقسيم ليس بعيداً عن المفهوم الإسلامي.